” التصبينة د الهَيْضُورة” .. طقس اجتماعي فقد حضوره في تقاليد عيد الأضحى بشفشاون
لسكان مدينة شفشاون مجموعة من العادات والتقاليد المرتبطة بعيد الأضحى، والتي توارثها هؤلاء عن أبائهم وأجدادهم وارتبطت بهم لمدة طويلة قبل أن تبدأ مؤخرا بالإختفاء تدريجيا إلى حد الاندثار مع التطور التكنولوجي وتوفر الأشياء التي لم تكن في المتناول من قبل.
ويعتبر إعداد جلد الأضحية أو “الهيضورة” من بين أهم المراحل والطقوس التي كان من الواجب على الأسر الشاونية القيام بها من أجل إستكمال فرحة عيد الأضحى، حيث كانت تحرص الأمهات على العناية بها وإعدادها من أجل إستخدامها في وقت لاحق سواء في إنتاج الصوف أو صنع سجادة للصلاة أو للجلوس، إلا أن هذه العادة بدأت تختفي في السنوات الأخيرة نظرا لوفرة منتجوات مختلفة الجاهزة في الأسواق والتي لا تتطلب مجهودا أو وقتا طويلا من أجل الحصول عليها، كما الحال بالنسبة للهيضورة.
وتراجع عدد الأسر بمدينة الشاون التي تحافظ على هذه العادة والتقليد، حيث تبدأ عملية إعداد “الهيضورة” مباشرة بعد ذبح الأضحية، وذلك عبر حرص النساء على عدم تعريض الجلد لأي تمزق أو تلف أثناء السلخ، قبل أن يتم فتحها وتغطيتها بالكامل بنوع خاص من الملح وتغييره بصفة دورية مع تنظيف الصوف وتنقيته من الشوائب، إلى أن تصبح جاهزة للإستعمال.
وتتذكر البتول، أجواء عاشتها في السابق مع طقوس “تصبين هيضورة” العيد أو “هيضورة الحاولي”، مبرزة أن الأمر يتعلق بشيء ثمين جدا، فما بعد العيد لا يستقيم حاله في غياب الهيضورة، ولمس صوفها الأبيض واتخاذها متكأ مريحا.
وتضيف هذه السيدة ذات السيتنات من عمرها، في حديث مع جريدة كنال شفشاون أنه بعد يوم واحد أو يومين بعد العيد، كانت العائلات تقصد أقرب منطقة مائية (راس الماء)، من أجل تنظيف الهيضورة، وهي عملية تستعمل فيها مادة “الشبة” بالنظر إلى مفعولها القوي في تماسك أجزاء “الهيضورة” مما يمكن من الحفاظ عليها.
وبحسب نفس المتحدثة، فإنه بعد عملية التنظيف تجد الهيضورة طريقها إلى سطح المنزل، حيث ترش بكميات من الملح والشبة وتنشر في الأرض لتنال نصيبها من حرارة الشمس.
واليوم أصبح إعداد جلود الأضاحي من الأمور المتجاوزة، وذلك نظرا للمجهود الكبير الذي يتطلبه صنع “هيضورة” واحدة، وهو الأمر الذي بات يدفع الأسر إلى التخلص منها مباشرة بعد الذبح عبر رميها أمام حاويات القمامة أو منحها إلى البعض ممن يطوفون أمام أبواب المنازل قصد جمع هذه المادة المهمة التي تدخل في عدد كبير من الصناعات والحرف التقليدية.
ويتيح امتهان الأسر لجلود الأضاحي، التي باتت في حكم المخلفات غير المرغوب فيها، ظهور مهن مرتبطة بها، تبدأ من جمعها من طرف البعض لينتهي المطاف بها في محلات الدباغة.
ويشكل عزوف العائلات بمدينة طنجة عن إعداد جلود أضاحيهم، دافعا إلى اللجوء إلى هذه المهنة الموسمية، قصد جمع أكبر عدد منها وإعادة بيعها إلى الحرفيين التقليدين سواء بعاصمة البوغاز أو بمدينة فاس حيث ينشط العديد من ممتهني صناعة المنتوجات الجلدية.
ورغم تحريم عدد كبير من الهيئات والفقهاء المغاربة لعملية بيع جزء من أجزاء الأضحية من بينها الجلد، فإن الإقبال على منح هذه الأخيرة إلى الباعة المتجولين مقابل مبالغ مادية بخسة يعرف ارتفاعا كبيرا خصوصا في السنوات الأخيرة التي عرفت فيها المدينة إزدهارا ملموسا لهذا النوع من التجارة.
ولا يخفى على العموم، ما بات يشكله التخلي عن “الهيضورة”، من انعكاس سلبي على نظافة الشوارع والأحياء، إذ أن الطريقة التي يتخلص بها الكثير من المواطنين من هذا الجزء من الأضحية، من خلال رميها بطريقة عشوائية، يزيد من حدة التلوث في الفضاء العام، وبالتالي من معاناة عمال النظافة، الذين يجدون أنفسهم أمام مهمة إضافية، هي تجميع هذه الجلود.
كنال شفشاون
تعليقات
إرسال تعليق
إذا كان لديك الاستفسار حول الموضوع لاتنسى ترك التعليق.