دار الشباب بشفشاون... حين يتحول الإصلاح إلى احتجاز ثقافي
لعلّ من عجائب الزمن المحلي في شفشاون أن تستغرق أشغال إصلاح دار الشباب المدينة قرابة السنتين، في زمن تُبنى فيه ناطحات السحاب في أشهر، وتُشق فيه الأنفاق العابرة للمدن في أسابيع. دار كانت إلى وقت قريب تشكل متنفسًا ثقافيًا لجمعيات المدينة وشبابها، تحولت إلى بناية صامتة، معلّقة بين ما كان وما لا ندري متى يكون.
الإصلاح – أو على الأصح "الإصلاح المفتوح على المجهول" – انتهى على ما يبدو. الطلاء جف، الأبواب أُغلقت بإحكام، والأصوات التي كانت تملأ المكان بالنقاشات والضحك والتدريب على المسرح، استُبدلت بصمت ثقيل، لا يكسره سوى صدى سؤال مُحرج: لماذا لا تُفتح الأبواب؟
قد يقول قائل: "ننتظر التدشين الرسمي." وهنا تبدأ المسرحية. ففي عرف بعض مؤسساتنا، لا يمكن لفضاء عمومي أن يُفتتح إلا بحضور شخصية وازنة، تحمل معها الكاميرات، والمصافحات، وعبارات من قبيل "نُثمّن الجهود المبذولة"، قبل أن تعود إلى العاصمة وتتركنا نُثمّن الفراغ.
ما لا يُدركه البعض هو أن تأخر فتح دار الشباب لا يعني فقط تأخر نشاط ثقافي، بل هو نوع من الإغلاق الرمزي في وجه الأمل، في وجه الإبداع، في وجه محاولات بناء وعي جمعي وسط جيل يبحث عن بدائل تقيه السقوط في دوامات الانحراف أو الانغلاق أو اللامبالاة.
المدينة التي تعاني أساسًا من ضعف في البنيات الثقافية والرياضية، لا تملك رفاهية إغلاق فضاء كان بمثابة "الملاذ الأخير" للطاقات الشابة. وهذا التأخير، الذي لا تبرره لا الأشغال ولا الميزانيات، يُهدد بفجوة أخطر مما يبدو: فجوة بين جيل يطلب الحضور، ومؤسسات تُجيبه بالصمت.
إن تأخر فتح دار الشباب هو تعبير – حتى وإن لم يُعلن – عن غياب رؤية حقيقية للاستثمار في الإنسان. فهل يعقل أن تتحول الثقافة إلى ملف يُدبّر على الهامش، وتُترك مؤسساتها عرضة لزمن بطيء، أشبه بزمن البيروقراطية المزمنة؟
نخشى أن يأتي يوم يُعاد فيه افتتاح دار الشباب، ولكن بعد أن يكون الشباب قد رحلوا… إما هجرةً، أو انسحابًا داخليًا، أو استسلامًا للفراغ.
وفي انتظار فتح الأبواب، نواصل فتح الأسئلة.
تعليقات
إرسال تعليق
إذا كان لديك الاستفسار حول الموضوع لاتنسى ترك التعليق.