فــــضــــــــاءات الــــــمــــــــديـــــــنــــــــة
بقلم : الأستاذ ابراهيم المسيح
قبل أن تفتح مظلة رمضان لهذا العام ،بساعات معدودة ، .أديت صلاة المغرب والعشاء.بمسجد الأبوين جماعة .وبعد اتمام الصلاة انتصب الإمام واقفا.فاأعلن عن رمضان ،ثم انطلق مباشرة في صلاة التراويح.
حين غادرت المسجد بعد الركعتين الأولتين الأولتان،صادفت مصليا خرج على التو ،يتساءل عن مغزى اقدام الامام على اطلاقه لصلاة التروايح .قبل دخول رمضان .تجنبا للتعليق والتفسير انسحبت بهدوء.
ذلك لأن الأمر قد يتطلب مني وقتا إضافيا للمناقشة. في تلك اللحظات التي كان يسمع فيها ترتيل قرآن التروايح. تساءل صاحبنا برحابه .وغير بعيد عن فضاء المسجد .انشغل آخرون باقتناء التمور من تاجر يحد السويقة المجاورة من الناحية الجنوبية.وانكبت ربات البيوت في إعداد .طعاما للعشاء او الصحور فحلول رمضان قد اربك الكثير،سائقين او معتكفين . مارين و جالسين في المقاهي.
حتى لو كان ذلك غير ظاهر او غير معلن.واخد الجانب النفسي حصته من الحدث ،فقد يمتزج الديني والاجتماعي والثقافي .وكذا الاسطوري أحيانا. فتحيلني اللحظة ، إلى نظرية أوكيست كونط."الذي ذهب إلى ان الانسان قد يجمع في سلوكه او حياته بأفكار أسطورية و أخرى دينية ،ووضعية او علمية في ان الوقت . فيترتب عن ذلك تواصلا مبهما. أو ركيكا".
في الغد خرجت صباحا لقضاء بعض الاغراض. فقد إمتلات الطريق العريضة عن آخرها بالعربات الصغيرة ، و الكبيرة منها.وسدت المنافذ.وصعب على الراجلين حلين المرور أو الانفلات .فأحدث هذا المرور الكبير ضجيجا .وزمهريرا. غادرت بيتي حوالي الحادية عشرة والنصف.ممتطيا سيارتي.معلنا عن سفر لأغراض عائلية.مدفوعا بطقوس العواشر.فتراءت لي تلك الوجوه المستقبلة لأول أيام رمضان .تنفث مجهودا ،مزدوجا من المقاومة واليقظة.
وبحكم إقامتي المؤقتة على خريطة مثلت المؤسسات الجامعية ،ككلية الطب وكلية الشريعة .وكلية الآداب سايس .فقد كادت المنافد والطرقات من الاختناق من فرط الإزدحام ،فالطلبة يهبون من كل حدب وصوب. وأنا أسوق سيارتي على مهل،مرت طالبتين في اتجاه عودتهما من كلية مائة الأداب،تظهر عليهما أثار العياء .وعلى محياهما اصفرار .بفعل الطقس المرتفع ،زاده الإمساك عن الطعام ،فتثعترث مشية هما .
حين أرادت إسراع الخطى.منهمكتان بأخر حصة دراسية صبيحة رمضان..وبطول المسافة بين فضاء الكلية ومقر إقامتها المتواضع.والتي تتمركز بحي شعبي على طول خط شارع يرسم خيطا يربط طريق إيمواز إلى طريق صفرو. لا يتوقف ضجيجه المنبعث من المحركات والكلاكسون. والتسابق،.غير مؤمنين بمقولة" العجلة من الندامة" .بين السائقين والراجلين، دراجات نارية ،سريعة تتجاوز في كل الوضعيات .
منها نوع الطريبورطور، والدراجات من صنف خدمات GLoVo . التي اعتمدتها المحلات التي ادمجت خدمة الإيصال إلى البيت إستجابة للزبائن ضمن استراتيجيتها . للذين يفضلول الأكلات الجاهزة .الخفيفة منها والثقيلة.وتتميز بسرعتها ، وبصندوقها الجلدي الموضوع على مؤخرة الدراجة. والصنف الثالت دراجات الموت ، لسرعتها الملحوظة .وكلها من صنع صيني.
بذلك تحدث الإصابة ،كما تحذت الإصاباتا.وهي دراجات سياحية غالبا ما يمتطيها ثناءيا.ويم يحب فيها المرافق الثرثرة .متخلصا من الخوذة الواجب وضعها على الرأس.
هذه الاصناف لم تظهر إلا خلال العشرية الأخيرة.وقد كانت في العدم ابان التمانينيات التسعينيات .فحضورها اليوم على الطرقات منحها تلك القيمة المضافة.لكن مستعمليها تنعدم لدى نسبة كبيرة منهم فيهم تلك القيمة.فازدانت الشوارع ، بأصواتها الجديدة. مواكبة بعنف رمزي من كلمات وألفاظ أصحابها .حتى ولو سجلت مخالفاتهم المتكررة بالعين المجردة. وهو سلوك يرتب في خانة " الفعل الاجتماعي" من منظور سوسيولوجي.لعالم الاجتماع ماكس فيبر .
بعد لحظات ، كنت فيها مشاهدا ومتتبعا وملاحظا ،ولجت أحدى المقاهي الفاخرة اذ كنت قد عقدت العزم على التسوق منها . كان بها جناحا مفتوحا لعرض شهيوات ، خلال هذا الشهر الفضيل .وهي مرتبة بطريقة في حلة جميلة،ومكسوة لصناديق زجاجية. تتقدمها فتيات في مقتبل العمر مرتديات بدل متناسقة مع ألوان الموكيط والجدران، وكذا ..ولون البطاقات الصغيرة الحاملة لأثمان البضائع الجاهزة للأكل.
أشرفت عقارب الساعة على الثانية زوالا وأنا أهم للدخول إلى المخبزة .كل المعروضات من الحلويات والبتيبان ،وطاكوس وبانيني بأحجام صغيرة.والبسطيلا على شكل مربعات .قد أعدت ورتبت بشكل يدعو إلى التساؤل.لدقته وتنظيمه.وطراوته.وكذا سرعة الاستجابة لطلبات أو صيحات الزبناء الذين حضروا في وقت مبكر مقارنة مع الزمن الذي يفصلنا عن موعد الفطور.
فأصبح الاستقبال والإعداد و التسيير ،في حلة بديعة .هذه المخبزة ومثيلتها والسويقة ،المجاورة لبيتي ،والفضاءات التجارية الأخرى ،هي فضاءات اقتصادية. تؤثت المدينة وتخلق علاقات إجتماعية ، "بحسب علم الاجتماع الحضري".
وكل الصراعات خاصة اللفظية منها ،التي تنتج عن طريق الاحتكاك ،في الشارع، عند المرور، أو الإستقبال. ،وخلال عملية التسوق تعتبر صراعات ناتجة عن الفعل الاجتماعي .وتقوم ببناء" العمليات الاجتماعية ".
"المدينة" أو هذه المدينة تصبح مخترا للعمليات الاجتماعية.تفسرها ثلاث عناصر، حسب ماكس فيبر هي الفعل الاجتماعي ،والوسط الطبيعي .و الأخر ، أو سلوك الآخر.
تسير أيام رمضان. في الدوبان ليله ونهاره.و يتميز بطقوسه الليلية.
فليلة النصف منه لها طقوس خاصة.بإعداد طعام الكسكس.بالدجاج البلدي .فتخصص محطة خاصة الطعام مبرمج ،ولذيد. فيجتمع أفراد العائلة الذن هزم الفتهم الهاتف النقال . ليعوظا مباشرة إلى عادتها .ماسكين هواتفهم بدون شفقة ولا رحمة.
تحل ليلة القدر بعد أيام سريعة.فتنغجر تلك الحفلات لفاءة الطفلات الصغيرة وتخصص لهم حفل حناء.فتنتعش هذه المهن. وتزدحم الأزقة ليلا بدل النهار. توضع الفتاة الصغيرة في فراش متنقل.بتياب جميلة وأنيقة .وتسجل الاغاني المبرمجة لحظة بلحظة.لكن الطفلة تقف ثم تجلس، أمام دهول كبير. وترد الأمهات، والصديقات ،متتبعة الأغنية التي يحفظنها مسبق عن ظهر قلب.ويكتر الصياح يتوقف المارة للإستمتاع بتلك اللحظات.
ويعود الفضاء الاقتصادي في المدينة إلى الواجهة لأن العملية، عملية تجارية. هو نوع من الفضاءات التي تتميز بها الوسط الحضري .علما أن المدينة تؤسس لفضاءات أخرى تقافية. أخلاقية ..وفيزيقية. بالمنطق السوسيولوجي .
وبحكم عظمة رمضان فإن القرآن المرتل ليلة القدر يصادف هذه الأنشطة ،و يعلو فوق كل هذه الاصوات الفنية الناشئة.
تتسابق بعض الفئات.في الأسبوع الأخير من رمضان،لتدارك حصص من الصلاة والتلاوة.راغبيت في تعويض ما ضاع لهم ، من فرط النوم الطويل ، أو الطعام الزائد.لكن جسمهم قد تعود أن يكون هكذا.وبالتالي فالزمن قد مر بسرعة. وأيام رمضان قد أوشكت على اغلاق ستارها.
وتنفرح اسارير آخرين في الأسبوع الاخرين حين يبتهجون بكون ، أيام الصيام لن تتكرر.كما تعودنا على سماع ذلك".النهار لي صمناه مانعاودوهش".
وبعد أداء فريضة الصيام.يعود الاستهلاك إلى حاله كاملا مكتملا.فتفتح المقاهي و المطاعم ، على طبيعتها.الأولى ،وكل الأنشطة التجارية الأخرى.التي اغلقت محلاتها خلال الشهر الفضيل.
هذه الأنشطة التجارية بجميع ألوانها و خدماتها على شكل تعاقدات ، غير مكتوبة ولا مرئية.
وهو ما يعرف في علم الاجتماع ب " التعاقد". أو التعاقدات.كل حسب تخصصه وسلعته ،يتولى إعداد منتوج ،أو سلعة معينة لساكنة المدينة بصفة دائمة ومنتظمة .
تعليقات
إرسال تعليق
إذا كان لديك الاستفسار حول الموضوع لاتنسى ترك التعليق.