شهر رمضان.. معراج للارتقاء بالروح الى مدارك السمو بالنفس ونقاء الأخلاق
ما إن تهل تباشير شهر رمضان المبارك حتى يستعد المغاربة لاستقباله في أجواء روحانية ممزوجة بعبق الإيمان، من خلال عقد حلقات الذكر والابتهال والتضرع إلى المولى الكريم، سعيا للارتقاء بالروح والسمو بالنفس ونقاء الأخلاق، وتحقيقا لغاية الصيام.
ويكتسي شهر رمضان الكريم خصوصية حضارية وسلوكية تجسدها منظومة متكاملة من العادات والتقاليد، التي تعكس تشبث المغاربة بأحد أعظم شعائر الدين الاسلامي وتجندهم لتأثيثه بممارسات عريقة ذات طابع تعبدي وسلوكي واجتماعي.
وفي هذا الصدد، يقول العربي المودن، عضو المجلس العلمي المحلي بالرباط، إن الغاية من وجود الانسان هي العبادة لله ومنها الصيام الذي هو شريعة الله التي سنها وهي ليست خاصة بأمة محمد صلوات الله عليه وسلامه بل كانت موجودة لدى الأمم السابقة مصداقا لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، مبرزا أن الصيام كان مفروضا في الديانات التوحيدية كاليهودية والمسيحية وإن اختلفت في كيفية أداء هذه الشريعة.
ومن هنا، يضيف المودن، في تصريح له بمناسبة قرب حلول شهر رمضان الأبرك لعام 1443 هجرية، اعتبر شهر رمضان في الدين الاسلامي غرة أشهر السنة وأفضلها وأكثرها أجرا؛ إذ جعله الله سبحانه أحد أركان الاسلام الخمسة التي فرضها على عباده المؤمنين مصداقا لقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).
واعتبر السيد المودن في هذا السياق، أن القيام بكل شروط الصيام الحق من فرائض وسنن، ومستحبات على النحو المطلوب شرعا، يثمر عن نتائج تربوية في غاية الأهمية، وكثيرة هي المقاصد التي رسمها الله سبحانه وتعالى بشرعه الصيام في شهر رمضان حيث يجتهد العبد فيه كي يطهر نفسه ويسمو بها في معارج التزكية، مشيرا الى أن الغاية من الصوم هي تحقيق تقوى الله وتجديد العبد لعلاقته بالخالق واكتسابه الصبر، فهو بحق مدرسة للتربية على التقوى والتضامن الاجتماعي.
وتابع السيد المودن، أن تقوى الله كأبرز مقاصد الصيام وفلسفته، ترجمة للنهي واجتناب كل ما فيه ضرر لأمر الدين والدنيا وما يحول بين العبد وبين المقاصد الاخلاقية والروحية لهذا الشهر الكريم، معتبرا أن الصيام عبادة سامية تحول بين المؤمن وبين الشهوات والملذات، وتعيد الفطرة إلى نقائها، وتسعد الروح، وتعود النفس على الصبر والالتزام بالكتاب والسنة.
وبخصوص الحكم والمغازي من الصيام ذات الأبعاد التربوية والصحية والاجتماعية، شدد الأستاذ المودن على أن الانسان الصائم يصبح قوي الروح والإرادة متخلقا بقيم التكافل الاجتماعي والتنافس إسوة بالرسول عليه الصلاة والسلام، كما أن من آثاره مجاهدة النفس وتهذيبها وتصفيتها.
وأوضح أن مجاهدة النفس تكمن في مراقبة الإنسان لغرائزه وجوارحه و في ذلك غاية مثلى هي صلاح القلب وتصفيته من الصفات المذمومة وتحقيق التوازن المطلوب بين حقوق الروح وحقوق الجسد.
وأضاف عضو المجلس العلمي أن هذه المجاهدة التي يؤديها الصائم لها آثار و ثمرات يانعة في حياته إذ تصفو نفسه بهذه التجربة الحقيقية لامتحان إرادته مما يسمو بأخلاقه ومشاعره، مشيرا الى أن من مقاصد الصيام التربوية أنها تعود الإنسان على الصبر والتحمل.
كما أن من مقاصد الصيام، يتابع الاستاذ المودن، تعزيز الوازع الديني في النفوس وبلوغ درجة الإحسان وتعميق شعور التضامن على اعتبار أنه شهر الصدقات والإحسان وبذل المعروف للمحتاجين.
ودعا السيد المودن، بهذه المناسبة، الى حسن استقبال شهر رمضان المبارك وتعلم أحكام صيامه من خلال سؤال الله بلوغه والإعانة على الاجتهاد والنشاط بالعبادة فيه وشكر الحق سبحانه وتعالى على هذه النعمة الربانية.
وخلص الى أن شهر الصيام بتجلياته الروحية مدرسة تربوية إيمانية تصقل الروح وتنقي النفوس حتى يكون المؤمن جميلا بأخلاقه وسلوكياته التي تعطرها تلاوة القران الكريم وسماعه وتدبره، وكثرة الإقبال على الاذكار وقيام الليل والاجتهاد مصداقا لقوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).
تعليقات
إرسال تعليق
إذا كان لديك الاستفسار حول الموضوع لاتنسى ترك التعليق.